الأستاذ الدكتور كمال بشر يكتب : اللغة العربية في مهب الريح (3)
لقراءة الأجزاء السابقة من المقال :-
الأستاذ الدكتور كمال بشر يكتب : اللغة العربية في مهب الريح (1)
الأستاذ الدكتور كمال بشر يكتب : اللغة العربية في مهب الريح (2)
من كتاب: "الحضارة في مهب الريح"
لقراءة الأجزاء السابقة من المقال :-
الأستاذ الدكتور كمال بشر يكتب : اللغة العربية في مهب الريح (1)
الأستاذ الدكتور كمال بشر يكتب : اللغة العربية في مهب الريح (2)
الحقيقة أنَّ القضيَّة من أبسط ما يمكن، فالقضيَّة ليست قضيَّة اللغة، وإنَّما هي قضيَّة أصحاب اللغة من الذين يكتُبون، ويحاوِرُون اللغة، ويبتكرون ما يشاؤون، فكُلّ لُغة على وجه الأرض قابلةٌ للتَّجديد والتَّحديث، والتَّحديثُ عادةً يبدَأُ فرْديًّا من خلال أيّ شَخْصٍ منَ الأشخاص النَّابغين عندما يستعْمِلُ كلمةً أو عبارة ما، مثل المصطلحات الحديثة التي كُنَّا نسمعها في أثناء الحرب من (الصحَّاف)، فقدِ استعمَلَ مجموعةً من الكلمات وبعضها قُبِل، وبعضها لم يُقْبل. إذًا قل ما تشاء، فإذا قبِلَهُ المُجتمع انضمَّتِ الكلمة أوِ العِبارة إلى نظام اللغة، والعكس صحيح؛ لكن لا تنتظر من اللغة أن تُعْطِيَكَ وأنْتَ نائم؛ لأنَّ اللُّغَة لا تَعِيشُ وحْدَها؛ ولذلك أقول: حرِّكْ فِكْرَك، وحرِّكْ ثَقَافَتَكَ، وحرِّك معارِفَك، واطْلُبْ منَ اللغة تُعْطِكَ هذه اللغة ما تشاء، ولكنَّ القضيَّة أنَّنا قومٌ بُلَداء، فضلاً عن أنَّ كلَّ شيء في العالم العربِيّ أصبح مُنْهارًا: الثقافة منهارة، العِلْم منهار، ومِنْ ثمَّ فإنَّ اللّغة من الطبيعي أن تكون منهارة أيضًا، فنحن الذين نقدم الزَّاد للغة، وليست اللغة هي التي تقدم لنا الزَّاد، وبالتالي فالقضيَّة قضيَّة النَّاس؛ لكنَّ العرب الآن نائمون في كل شيء، بما في ذلك العِلم نفسه، فهل نحن عِنْدَنا عِلْم عربِيّ في أيّ فرع من فروع العلم؟ إطلاقًا، حتَّى العلوم النظريَّة هي الآنَ مُتَرْجَمة، أو معرَّبة، أو خليط من عربي وأجنبي، وليس هناك إبداع.
إنَّ اللغة ليست كائنًا حيًّا، وإنَّما اللّغة تُشْبِه الكائنَ الحيَّ، أمَّا العبارة التَّقليديَّة التي ترِدُ عندنا بأن "اللغة كائن حي" فهي عبارة مجازيَّة، لأنَّ الكائن الحيّ يموت بنفسه، بينما اللغة لا تموت بنفسها، فاللغة تموت بموت أهلها، والدَّليل أنَّ اللغات الَّتِي نسمّيها لغات ميتة مثل اليونانيَّة ما زلنا نتعلَّمُها ونقرؤُها ونفهَمُها، فاللغة تختفي وتظهر مثل اللغة العبريَّة فهي في فترة من الفترات انتهتْ ولكنَّها لم تَمُتْ، بلِ اختفت نظرًا لاختفاء قوَّتِها هي، فإذا عادت هذه القوة عادت اللغة، لأنَّ اللغة لا تعيش وحدها أبدًا.
والحقّ أنَّ اللهجة المصريَّة أخفّ وأسهل في النطق؛ لأنَّها مُتناسقة الأصوات والنَّغمات لا أكثر ولا أقلّ، أمَّا الكلمات ومدى صحَّتها فهذِه تَحتاج إلى دراسة علميَّة؛ لكن على أيَّة حال فإنَّنا فيما يتعلَّق بضَعْفِ اللّغة العربيَّة لا نلوم الحكومة، ولا نلوم الشعب، ولا نلوم الأفراد، وإنَّما نلوم الجميع، فكلّنا مُخْطِئون: الأفراد والهيئات والحكومة والقاعدة، ومن ثمَّ فإنَّ القضيَّة قضيَّة قوميَّة كبيرة جدًّا، ولكنَّنا في المقابل لا نستطيع أن نقرّر شيئًا، وإنَّما نَحْنُ ننصح ونوجّه فقط.
وللحديث بقية
بقلم الدكتور كمال بشر نائب رئيس مجمع اللغة العربية الأسبق . من كتاب: "الحضارة في مهب الريح"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق