((( الدكتور محمد أبو سيد أحمد يكتب : " من وحي شعائر العيد " )))
شعائر العيد عديدة ، وهي تذكرنا بسمو منهج الإسلام ونبل غاياته .
قال الله تعالى " وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ" [الذاريات : 56]
ونشير هنا إلى ملمح من صلاة العيد ، وشعيرة التكبير ، وذبح الأضحية.
1 ـ فصلاة العيد في جماعة تذكرنا بإسلام الوجه لله وإخلاص العبودية له ، وعدم التمرد على شرعه ، وأن نقول سمعنا وأطعنا حيث كان شرع الله .
" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [ النور : 51 ]
ويلاحظ أن الصلوات النافلة يستحب أن تؤد خفية فرادى ، إلا صلاة العيدين والتراويح ، فتصلى جهارا في النهار كالجمعة ـ على خلاف سائر الصلوات النهارية ـ وفي جماعة لماذا ؟ سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل : " صلوا كما رأيتموني أصلي "
فالمسلم يدور مع الشرع حيث دار ، وينتقل فؤاده وهواه إلى مايحب ربه ويرضاه مولاه , إلى ما جاء به النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ القائل " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ " فيتعبد المسلم لله بما شرع الله ـ مع الإخلاص ـ وليس بما يمليه عليه هواه.
والمسلم يعلم من دينه المعنى الشرعي الذي أشار إليه الصحابي الجليل أبو الدرداء ـ رضي الله عنه حيث يقول : " إِذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ اجْتَمَعَ هَوَاهُ وَعَمَلُهُ وَعِلْمُهُ، فَإِنْ كان عمله تَبَعًا لِهَوَاهُ فَيَوْمُهُ يَوْمُ سُوءٍ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ تَبَعًا لِعِلْمِهِ فَيَوْمُهُ يَوْمٌ صَالِحٌ "
2 ـ والتكبير يذكرنا بأن الكبرياء لله وحده ، وعزة المسلم تنبع من عبوديته لله الكبير المتعال ، فلا يحني ظهره راكعاً ولا يخر على وجهه ساجدا إلا له ، فالله هو العلي الكبير أي العالي على كل شيئ بقدرته ، والعالي على الأشباه والأنداد ، المقدس عما يقول الظالمون من الصفات التي لا تليق بجلاله والْكَبِيرُ من أسماء الله أَيِ الموصوف بالعظمة والجلال.
وَالْكِبْرِيَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ، أَيْ لَهُ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ أَبَدًا وَأَزَلًا، فَهُوَ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ، وَالْآخِرُ الْبَاقِي بعد فناء خلقه.
وَالْكِبْرِيَاءُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ مَدْحٌ، وَفِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ذَمٌّ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: " الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَصَمْتُهُ ثُمَّ قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ "
3 ـ والأضحية تذكرنا :بأن الإسلام يبقى دعوى لسانية مجردة لا دليل عليها إلى أن يأتي ما يصدق ذلك من العمل الصالح الإرادي ، وبقدر انسجام العمل مع الشرع والدين ، وبقدر التضحية لنصرة عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام ومكارم الأخلاق والإخلاص في ذلك ، تكون الدلائل على قوة الإيمان .
كما تذكرنا الأضحية بموقف من مواقف الابتلاء العظيمة التي ابتلي الله تعالى بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وذلكم لمّا رأي في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل الذي رزقه الله إياه على شوق وبعد طول انتظار، بعد ما نبت الابن ، وبلغ مع أبيه السعي ، وصار قرة عين.
ورؤيا الأنبياء وحي ، وتبلغ شدة الابتلاء ذروتها عندما يطلب إليه أن يتولى هو بيده ذبح ولده !
فماذا كان موقف أبي الأنبياء ؟ وماذا عن موقف الإبن الذي لاحظته عناية السماء ؟
لقد انقاد الوالد والولد لأمر الله ، وفوضا أمرهما إليه سبحانه ، واستسلما له ، فأسلم أحدهما نفسه لله ـ عزوجل ـ وأسلم الآخر ابنه ، وتله للجبين ، وحول وجهه إلى القبلة ، لتنفيذ ما أمر الله به ، في رضا منهما واستسلام ، إنها مشاعر وسلوك لا يصنعه إلا الإسلام ، عند ذلك جاءه النداء بالفرج بعد الشدة ، فقد اجتازا الآمتحان ، وحققا الاستسلام ، فنزل الفداء بأمر الله ، الذي لايعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء، والذي جعل لكل شي قدرا ، فسبحان مفرج الكروب ومذهب الهموم ، يجعل لعباده من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا .
وقد نزل في ذلك قرآن يتلى عبرة لأولي الألباب ، وذكرى لأولي الأبصار ، يبين أن رحمة الله قريب من المحسنين ، قال الله ـ تعالى ـ " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) [ من سورة الصافات ]
ألا فلتعرف الأمة أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء ، ولا أن يؤذيها بالبلاء ، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية ، مستسلمة لا تقدم بين يديه ، ولا تتألى عليه ، تتقي الله ما استطاعت ، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات .
أسأل الله أن يملأ ديار المسلمين فرحا بفضله ورحمته .
بقلم الأستاذ الدكتور محمد محمد أبو سيد أحمد .. أستاذ الفقه العام بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف ...
شعائر العيد عديدة ، وهي تذكرنا بسمو منهج الإسلام ونبل غاياته .
قال الله تعالى " وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ" [الذاريات : 56]
ونشير هنا إلى ملمح من صلاة العيد ، وشعيرة التكبير ، وذبح الأضحية.
1 ـ فصلاة العيد في جماعة تذكرنا بإسلام الوجه لله وإخلاص العبودية له ، وعدم التمرد على شرعه ، وأن نقول سمعنا وأطعنا حيث كان شرع الله .
" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [ النور : 51 ]
ويلاحظ أن الصلوات النافلة يستحب أن تؤد خفية فرادى ، إلا صلاة العيدين والتراويح ، فتصلى جهارا في النهار كالجمعة ـ على خلاف سائر الصلوات النهارية ـ وفي جماعة لماذا ؟ سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل : " صلوا كما رأيتموني أصلي "
فالمسلم يدور مع الشرع حيث دار ، وينتقل فؤاده وهواه إلى مايحب ربه ويرضاه مولاه , إلى ما جاء به النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ القائل " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ " فيتعبد المسلم لله بما شرع الله ـ مع الإخلاص ـ وليس بما يمليه عليه هواه.
والمسلم يعلم من دينه المعنى الشرعي الذي أشار إليه الصحابي الجليل أبو الدرداء ـ رضي الله عنه حيث يقول : " إِذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ اجْتَمَعَ هَوَاهُ وَعَمَلُهُ وَعِلْمُهُ، فَإِنْ كان عمله تَبَعًا لِهَوَاهُ فَيَوْمُهُ يَوْمُ سُوءٍ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ تَبَعًا لِعِلْمِهِ فَيَوْمُهُ يَوْمٌ صَالِحٌ "
2 ـ والتكبير يذكرنا بأن الكبرياء لله وحده ، وعزة المسلم تنبع من عبوديته لله الكبير المتعال ، فلا يحني ظهره راكعاً ولا يخر على وجهه ساجدا إلا له ، فالله هو العلي الكبير أي العالي على كل شيئ بقدرته ، والعالي على الأشباه والأنداد ، المقدس عما يقول الظالمون من الصفات التي لا تليق بجلاله والْكَبِيرُ من أسماء الله أَيِ الموصوف بالعظمة والجلال.
وَالْكِبْرِيَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ، أَيْ لَهُ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ أَبَدًا وَأَزَلًا، فَهُوَ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ، وَالْآخِرُ الْبَاقِي بعد فناء خلقه.
وَالْكِبْرِيَاءُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ مَدْحٌ، وَفِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ذَمٌّ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: " الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَصَمْتُهُ ثُمَّ قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ "
3 ـ والأضحية تذكرنا :بأن الإسلام يبقى دعوى لسانية مجردة لا دليل عليها إلى أن يأتي ما يصدق ذلك من العمل الصالح الإرادي ، وبقدر انسجام العمل مع الشرع والدين ، وبقدر التضحية لنصرة عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام ومكارم الأخلاق والإخلاص في ذلك ، تكون الدلائل على قوة الإيمان .
كما تذكرنا الأضحية بموقف من مواقف الابتلاء العظيمة التي ابتلي الله تعالى بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وذلكم لمّا رأي في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل الذي رزقه الله إياه على شوق وبعد طول انتظار، بعد ما نبت الابن ، وبلغ مع أبيه السعي ، وصار قرة عين.
ورؤيا الأنبياء وحي ، وتبلغ شدة الابتلاء ذروتها عندما يطلب إليه أن يتولى هو بيده ذبح ولده !
فماذا كان موقف أبي الأنبياء ؟ وماذا عن موقف الإبن الذي لاحظته عناية السماء ؟
لقد انقاد الوالد والولد لأمر الله ، وفوضا أمرهما إليه سبحانه ، واستسلما له ، فأسلم أحدهما نفسه لله ـ عزوجل ـ وأسلم الآخر ابنه ، وتله للجبين ، وحول وجهه إلى القبلة ، لتنفيذ ما أمر الله به ، في رضا منهما واستسلام ، إنها مشاعر وسلوك لا يصنعه إلا الإسلام ، عند ذلك جاءه النداء بالفرج بعد الشدة ، فقد اجتازا الآمتحان ، وحققا الاستسلام ، فنزل الفداء بأمر الله ، الذي لايعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء، والذي جعل لكل شي قدرا ، فسبحان مفرج الكروب ومذهب الهموم ، يجعل لعباده من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا .
وقد نزل في ذلك قرآن يتلى عبرة لأولي الألباب ، وذكرى لأولي الأبصار ، يبين أن رحمة الله قريب من المحسنين ، قال الله ـ تعالى ـ " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) [ من سورة الصافات ]
ألا فلتعرف الأمة أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء ، ولا أن يؤذيها بالبلاء ، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية ، مستسلمة لا تقدم بين يديه ، ولا تتألى عليه ، تتقي الله ما استطاعت ، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات .
أسأل الله أن يملأ ديار المسلمين فرحا بفضله ورحمته .
بقلم الأستاذ الدكتور محمد محمد أبو سيد أحمد .. أستاذ الفقه العام بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق