(( الشيخ مصطفى عبد الفتاح السملاوى يكتب : فضل علم الميراث ))
يعتبر علم الميراث من أنفع العلوم وأعلاها
شرفاً وقدراً وذلك لأن الله السميع البصير لم يوكل ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا في
تقسيم التركة ولكن قام جل في علاه بتقسيم التركة بنفسه لان التركة متعلقة بإحدى
حالتي الإنسان فالإنسان إذا علم أن من يخلفه هم الصق الناس به وأقربهم إليه جد
واجتهد في العمل والاكتساب والتحصيل لأنه يعلم أن هذا الزائد الباقي بعد مماته
يأخذه أقرب الناس إليه فتطمئن نفسه ، تطبيقاً لقول الرسول عليه الصلاوة والسلام " إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ
أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ " (1)
ولقد تولى الله تعالى عز وجل
بنفسه تقدير الفرائض ولم يفوض ذلك لملك مقرب ولا لنبي مرسل فبين لكل وارث ما له
وفصلها غالباً بخلاف كثير من الأحكام كالصلاة والحج فقال ( واقيموا الصلاة ) ولكن
في الفرائض أنزل الآيات في بداية سورة النساء وفي آخرها وسمى هذه الفرائض حدوده
ووعد عليها بالثواب وتوعد من تعدى على هذه الحدود بالعذاب قال تعالى فى سورة
النساء : "
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ {13} وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ {14) " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
يرويه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ : آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ،
أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ " (2)
وعن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا هريرة تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم، وهو ينسى، وهو
أول شيء ينزع من أمتي » (3)
وعنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ
عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : « تَعلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ
النَّاسَ وَتَعلَّمُوا الْفَرَائِضَ وعَلِّمُوها فإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ
والْعِلْمُ مَرْفُوعٌ وَيُوشِكُ أنْ يختَلِفَ اثنَانِ في الْفَرِيضَةِ
والمَسْأَلَةِ فَلاَ يَجدَانِ أَحَداً يُخْبِرُهُما » (4)
قال ابن كثير رحمه
الله تعالى : " وقد ورد الترغيب في تعلُّم الفرائض وهذه الفرائض الخاصة من
أهم ذلك ..
وأمر
النبي صلى الله عليه وسلم بقسمة الفرائض بين أهلها فقال " : اقسموا المال بين أهل الفرائض على
كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.. " (5)
وقد
سمَّى العلماء علم
الفرائض نصف العلم، قال ابن عيينة: إنما سمَّى الفرائض نصف العلم، لأنه يبتلى به
الناس كلهم.." (6)
و" الفرائض نصف العلم " لأنها كما أسلفنا تتعلق
بإحدى حالتي الإنسان وكان الصحابة رضوان الله عليهم متفاوتون في هذا العلم وكان معظمهم
يتحرج أن يفتى في الميراث .
وكان من أعلم الصحابة بهذا العلم سيدنا زيد بن
ثابت رضى الله عنه وكان قوله في الميراث حجة للحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرْحَمُ أُمَّتِي بِهَا
أَبُو بَكْرٍ ، وَأَقْوَاهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً
عُثْمَانُ ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ ،
وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَعْلَمُهُمْ
بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءٌ لِلْعِلْمِ " .
أَوْ قَالَ : " وِعَاءُ الْعِلْمِ ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ عِلْمٌ لا يُدْرَكُ ،
وَمَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ
أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ " .(7)
قال ابن خلدون : " هو فن شريف لجمعه بين المعقول و المنقول و الوصول به إلى
الحقوق في الوراثات بوجوه صحيحة يقينية عندما تجهل الحظوظ و تشكل على القاسمين "
وقال
ابن عيينة : "
إنما قيل له نصف العلم لأنه يبتلى به الناس كلهم، وفيه الترغيب في تعلم الفرائض
وتعليمها والتحريض على حفظها، لأنها لما كانت تنسى وكانت أول ما ينزع من العلم كان
الاعتناء بحفظها أهم ومعرفتها لذلك أقوم (8) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري (2742) ومسلم (1628)
(2) رواه الإمام أبو داود في سننه (2885 )
(3) رواه ابن ماجه وفي إسناده ضعف.
(4) ذكرَهُ أحمدُ بنُ حنبل في روايةِ ابنِهِ عبدِ الله .
(5) متفقٌ عليه ، واللفظ لمسلم .
(6)
موقع الشبكة الإسلامية .
(7) رسالة ابن عبد الهادي في فضائل الصحابة .
(8) مقال
عن الميراث بالقسم الدينى ، موقع ستار تايمز .
بقلم الشيخ مصطفى عبدالفتاح السملاوى ..
رئيس الشئون المالية والإدارية بمنطقة كفر الشيخ الأزهرية الأسبق .
أعده للنشر : إسلام سامى عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق